منتديات القرب التنشيط المحلي والاستثمار
جماعة سلا قريبة بخدماتها
برز مفهوم سياسة القرب مع تطور مكانة الجماعات الترابية ببلادنا وتطور عمل الإدارات العمومية والهيئات المحلية سواء التابعة لإدارة الدولة أو ذات الطابع اللامركزي. إذ برزت الحاجة إلى تقريب الخدمات والتجهيزات الأساسية ومنح المنتخبين المحليين هامش كبير في المساهمة فيها، خصوصا على مستوى الجماعات باعتبارهم ممثلين للسكان على مستوى أقرب وحدة ترابية عمومية. كما وضع الدستور المغربي لسنة 2011 مقومات الدولة الحديثة والعادلة، والتي من أركانها تحقيق المساواة والإنصاف في ولوج المرافق العمومية، فقد نص الفصل 154 منه على أنه: "يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات."
ولقد ساهمت الخطب الملكية في تثبيت سياسة القرب كمفهوم وكممارسة من خلال تأكيدها على أهمية إعادة توطين مختلف السياسات العمومية وتقوية مساهمة الجماعات الترابية في الإصلاحات الكبرى وتعزيز مساهمتها في أوراش التنمية الشاملة والمستدامة بتراب المملكة العزيزة. فقد ورد في خطاب جلالة الملك محمد السادس على أنه: من أجـل التـجسـيد الفـعـلـي لـروح الوحـدة الوطنـيـة فـي منـجـزات ومـشـاريـع تنـمـويـة كـبـرى؛ مـؤكـديـن عزمـنـا الـراسـخ عـلـى أن تـعـم كـل جـهـات المـمـلكـة، فـي نـطـاق سيـاسـة القـرب والمشـاركـة والتـضـامـن الاجـتمـاعـي والمـجـالـي، والتـحـديـث الاقـتـصـادي، الـذي نـقـوده..".
كما أن خدمات القرب أصبحت تشكل مظهرا من مظاهر نجاح المقاربة التنموية للدولة والجماعات الترابية، وتعبير عملي عن بلوغ تأثير أدائها عل الموطنين وملامسة شؤونهم بشكل مباشر والقدرة على تلبية حاجاتهم اليومية، خصوصا في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية.
يعتبر برنامج عمل الجماعة وعاء للمشاريع المزمع إنجازها طيلة المدة الانتدابية الحالية والتي ستعزز جاذبية الجماعة وقوتها الاستثمارية إلى جانب المدن المجاورة. ويعد نظام المقاطعات المطبق بجماعة سلا مدخلا مؤسساتيا لتعزيز خدمات القرب الموكولة لمجلس الجماعة، والذي وضعه الإطار القانوني الجديد الذي وضعته القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، والتي تتقاطع مع باقي أصناف هذه الجماعات لاسيما فيما يخص التنمية الاقتصادية الموكولة لمجلس الجهة، وكذا التنمية الاجتماعية الموكولة لمجلس العمالة.
ووعيا من مجلس جماعة سلا بأهمية المقاربة التشاركية في إعداد هذا المشروع، وذلك إعمالا للضوابط التي يضعها القانون التنظيمي والمراسيم التطبيقية ووفقا لما يتطلبه هذا البرنامج من استحضار لكل الفعاليات المحلية المدنية وباقي الفاعلين الترابيين، لما تشكله منتديات القرب هاته من فرص لتدارك الفراغات الممكن بروزها في تشخيص حاجيات الساكنة المحلية.
كما تعد فكرة تنظيم منتديات تشاورية للقرب فرصة لاستثمار الزخم المجتمعي وتنوع أطيافه ومكوناته لتقريب الرؤى الكفيلة بتوفير برنامج عمل يحقق أكبر قدر من الاندماج بين البرامج السياسية الوطنية والترابية لمكونات المجلس الجماعي ويكرس مبدأ الالتقائية من جهة، والفعالية الترابية من جهة ثانية.
وضمانا لجعل هذا البرنامج في المستوى العملي الذي تطمح إليه الساكنة السلاوية، حددت لجنة القيادة تصورا أوليا يحدد منتديات تشاور القرب وفق الاختصاصات الموكولة أساسا لمجالس المقاطعات، والتي تتوزع كما يلي:
أهداف وآليات إشتغال منتديات تشاور القرب
ومن أجل تسهيل المشاورات واللقاءات المزمع تنظيمها لتعميق التصورات بخصوص هذه المحاور لابد من التركيز على التجهيزات والبنيات الحالية كما وكيفا وفتح نقاش موسع بخصوصها والذي يراعي جملة من الأهداف نضعها كالتالي:
- تحقيق مبدأ الإنصاف الترابي والتوازن بين مختلف المقاطعات الخمس؛
- مراعاة خصوصية المجالات الترابية والأنسجة العمرانية بالمدينة؛
- الموازنة بين التجهيزات المتواجدة حاليا والمزمع إنجازها؛
- ضمان حد أدنى من جودة تجهيزات وخدمات القرب بالمدينة؛
وبقصد تحقيق أهداف التشاور هذا، لابد من تدقيق المناهج المعتمدة في كل محور وتحديد الآليات المناسبة لها، والتي تجمع بين إشراك المقاطعات من جهة، وتوسيع دائرة إشراك المجتمع المدني من جهة ثانية.
تقديم محاور المنتديات:
إن توزيع هذا المحاور لا يعني البتة وجود تمايز واضح بين البرنامجين، بقدر ما يسطر حجم الاحتياجات وسقفها وتسهيل تناول الأوليات حسب خلاصات التشاور لكونها تتعلق بخدمات وتجهيزات القرب ولكونها الأكثر احتكاكا بالمعيش اليومي للمواطن. فبرنامج الاستثمار سيمكن من تحديد المتواجد وكيفية تحسينه وتطويره وكذا التفكير في تعميميه وفق مبدأ العدالة والمجالية والإنصاف الترابي، وبرنامج التنشيط المحلي سيمكن من تحديد توزيع أهم المرافق والتجهيزات على مستوى تراب مختلف المقاطعات وافق تجويدها لجعله في مستوى تطلعات المواطنين.
برنامج الاستثمار:
بداية، لابد من التطرق إلى التصورات الخاصة ببرنامج الاستثمار والتي تتعلق بالتجهيزات المتواجدة والمقترح إنجازها، والتي تناولها القانون التنظيمي ضمن اختصاصات مجالس المقاطعات ضمن مادته عدد 231 ، والتي ركزت على إمكانية التقرير في عدد من المشاريع التنموية والخدمات الأساسية التي نضعها كما يلي:
أولا: توزيع تجهيزات القرب
نظرا لأهمية مرافق القرب وضرورة التفكير في أشكال مساهمة الجماعة من أجل الرفع من جاذبية المجال الترابي وإنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها، لابد من وضع خريطة طريق تتعلق بأهم مرافق القرب المتواجدة بتراب المقاطعات، ودراسة مدى تأثيرها على حياة المواطنين واستجابتها لحاجياتهم.
وقبل بسط محاور هذه المنتدى، وفي إطار استثمار الكفاءات المشرفة على محاوره، ستعمل فرق العمل على تأطير المشاورات واللقاءات عبر استعمال مختلف الوسائل المتاحة المادية والرقمية، من قبيل اللقاءات التشاورية المباشرة والرقمية والاستطلاعات، أوراش وغيرها. وللاستئناس نضع بعض النماذج الخاصة بهذه المنهجية والتي تتعلق بطبيعة الخدمة أو المرفق والتي يمكن إدراجها حسب طبيعة الخدمة:
بالنسبة للبنيات والخدمات الإدارية والجماعية: يمكن أن نعتمد على استمارات واستطلاعات للرأي لتدقيق المعطيات الخاصة بتوفر وتوزيع بالخدمات الأساسية. فإضافة إلى المعطيات والبيانات والإحصائيات الرسمية ستعمل الجماعة على تدقيق المعطيات الخاصة بهذه الخدمات والمرافق من خلال مؤشرات من قبيل:
- القرب من المرتفق
- مدة الخدمة
- ولوجية ذوي الاحتياجات
- تكرار الخدمة في الزمن
بالنسبة للخدمات الاجتماعية الأساسية: وهي تهم عددا من: والتي تشمل بعض الخدمات والمرافق الصحية والتعليمية وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن بعضها يدخل من صميم عمل الجماعة ونذكر بالخصوص : حفظ الصحة ومحاربة الأوبئة وصيانة المقابر والمراحيض العمومية، في حين تدخل بعض المرافق ضمن الاختصاصات المشتركة مع الدولة من قبيل صيانة المدارس والمستوصفات والتي تعد بنيات أساسية تكرس القرب من المواطنين.
بالنسبة لخدمات الرعاية الاجتماعية: وهي تهم عدة خدمات اجتماعية تهم فئة عمرية أو جنس محدد كمراكز النساء في وضعية صعبة، الطفولة، المسنين، المعاقين...، خصوصا بالنسبة لمدينة مليونية مثل مدينة سلا والمعروفة بتناثر أحيائها وتنوع أنسجتها العمرانية والديموغرافية.
ثانيا: انعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية
ومن أجل بسط النقاش بهذا الخصوص يمكن أن نركز على البنيات والتجهيزات الكفيلة بدعم الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها أهم مقومات مدينة جاذبة للاستثمارات ولرؤوس الأموال، وبالنظر لما تتطلبه في المقابل من توفير ورصد لاستثمارات الأولية المتعلقة بالفضاء العام للاستثمار والاستقرار وباستحضار مبدأي القرب والفعالية. واختصارا نورد أهم المشاريع التي تقوي مساهمة الجماعة في انعاش هذه التنمية وفق ما يلي:
البنيات التحتية: تهم أهم الطرق بكافة أصنافها والمدارات الحضرية نظرا لأهميتها في التنقلات الحضرية وتسهيل الولوجية بمختلف الأحياء.
أسواق القرب: ترتبط هذه الأسواق بالمبيعات المرتبطة بالمعيش اليومي والذي يرتكز أكثر من غيره بسمات القرب.
المراكز التجارية: تعد المراكز التجارية من أهم مناطق الجذب الحضري بالنظر لما توفر من أنشطة وخدمات القرب، ولما تمثله من فضاءات تجارية محلية موجبة للاستقرار والتشغيل بمختلف الأحياء. وهو ما ستعمل الجماعة على تركيزه عبر العمل على تعميم المراكز التجارية الناجحة بالمدينة.
المناطق الصناعية: إضافة إلى تأثير الأنشطة الصناعية على مستوى الرواج والتشغيل بالمدينة، فهذه المناطق تعزز جاذبية المدينة بشكل عام لتحقيق مستوى أكبر من التنمية، وتحقيق الاستقرار و المنافسة بالمدينة مقارنة بالمدن المجاورة.
التجمعات المهنية: ستعمل جماعة سلا على تقوية الأنشطة المهنية الحرفية والتجارية والفلاحية عبر دعم وإحداث مراكز التسويق والتجمعات المهنية بالمدينة، وذلك بالشراكة مع مختلف الغرف والهيئات المهنية ومختلف الفاعلين المحليين.
المراكز السياحية: نظرا لأصالة المدينة وقدمها فعلى الجماعة بدل مجهود في إبراز مقوماتها السياحية سواء ذات الطابع التقليدي أو النطاقات والمنشئات الحديثة ذات الطابع العصري.
من خلال ما سبق، وتحقيقا لهذه الأهداف ستبرمج الجماعة لقاءات مباشرةوأخرى رقمية مع أهم الشركاء المحليين والفاعلين الاقتصاديين لتدقيق مساهمتهم والعمل على تجميع المعطيات والتوصل بالخلاصات الواضحة الكفيلة بتعزيز تصورات الجماعة اتجاه هذه الأنشطة، وذلك من قبيل:
- عقد لقاءات مع الغرف المهنية والفعاليات المهنية المرتبطة بأبرز الأنشطة الممارسة بالمدينة.
- البحث في سبل تعميم المراكز التجارية وتعزيز مستوى نشاطها
- آليات إعادة تنشيط المناطق الصناعية بالمدينة وتأهيل الفضاءات المحادية لها.
ثالثا: ورش جودة الأشغال والتجهيزات
سيركز منتدى القرب على أهم التجهيزات المرتبطة بالأشغال المتسمة بطابع القرب من قبيل جودة العمران بمختلف الأحياء، الطرق الداخلية بأهم الأحياء، تهيئة المساحات الخضراء التي تقل عن هكتار واحد، مستوى الإنارة، ملاعب القرب ...، فبالإضافة إلى تعزيز هذه التجهيزات ستعمل الجماعة على تسهيل آليات التواصل بشأنها مع الساكنة ضمانا للتدخل الفعال والأنسب لمصالح الجماعة واستثمار الوسائل الرقمية (تطبيقات رقمية، رقم أخضر... ) لتحقيق جودة التدخلات المنتظرة (التواصل الآني بالمصابيح العاطلة، تواجد الحفر ....) .
برنامج التنشيط المحلي
أما على مستوى التنشيط المحلي، فيمكن اعتماد عدد من المعطيات الأولية التي تكون محل نقاش موسع مع الهيئات المدنية المعنية، وفق ما أوردته المادة 235 من القانون التنظيمي للجماعات. كما نشير إلى أن الجماعة ستنضم منتدى اقتصادي واجتماعي، فهي ستحاور من خلال منتدى القرب مناقشة منهجية تجويد المرافق الاجتماعية والثقافية والسياحية والرياضية، من خلال تقوية التنسيق بين مصالح الجماعة والمقاطعات مع مختلف الشركاء الرسميين ومختلف الفعاليات المدنية لتقريب الرؤى حول أهم المحاور التي ستكون محل تدخل وبرمجة من طرف الجماعة خلال هذه الولاية الانتدابية الحالية.
وبذلك، لابد من التركيز على دور الفعاليات المدنية في مجال إنعاش الميادين الثقافية والسياحية، والرياضية، والاجتماعية والتفكير في أفق تقوية دور المقاطعات في تحقيق توزيع منصف لبنيات الاستقبال وللبنيات والمراكز الخاصة لهذه الأنشطة بتراب المدينة.
ومن أجل تحقيق هذه الهدف، ستعمل الجماعة على تنظيم لقاءات مع أهم الجمعيات النشيطة في كل مجال وتنظيم ورشات خاصة بكل فئة للخروج بتقارير موضوعاتية عن كل محور.
فهذه اللقاءات المباشرة والمشاورات الميدانية هي الكفيلة بوضع تصور واضح يروم التوزيع العادل لهذه الأنشطة، وكذا تنويع العروض الثقافية والسياحية، والاجتماعية، والرياضية بالمدينة لضمان إشعاع المدينة في هذه المجالات وكذا للوقوف على الطلبات والاحتياجات الحقيقية المستقاة من الواقع العملي.
وختاما، من المنتظر أن تجيب هذه المنتديات المرتبطة بالقرب على السؤال المحوري: إلى أي حد ستمكن منتديات تشاور القرب من الرفع من مساهمة كل الشركاء والفاعلين في تجويد خدمات ومرافق القرب بالمدينة في الأفق القريب والمتوسط؟برمجة لقاءات منتديات القرب