منتدى التحول الرقمي والجماعة الرقمية
يشكل التحول الرقمي رهانا أساسيا لتسريع وثيرة التطور والتنمية ببلادنا، وتعزيز المكتسبات المحققة في مجالات متعددة. ففي سياق عالمي تميزه تطورات مستمرة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال واستعمالات متزايدة للرقميات، ومن منطلق تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني قاريا ودوليا، وكذا تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية على المستوى الوطني، فإن مواكبة التكنولوجيات الرقمية الحديثة أضحت ضرورة حتمية.
هذه الضرورة ما فتئت التوجيهات الملكية السامية تؤكد عليها في مناسبات عديدة، بغرض تسريع وثيرة التحول الرقمي وتعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة تسمح بالولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق، وتساهم في تسهيل حصول المواطنات والمواطنين على الخدمات في أقرب الآجال وعلى أساس المساواة.
ويقصد بالتحول الرقمي، حسب تعريف للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مجمل التغيرات الثقافية والتنظيمية والعملية لمنظومة أو تنظيم ما، وذلك بفضل القيام بإدماج ملائم للتطورات التكنولوجية التي أحدثتها "الثورة الرقمية". وهو يرتكز على المستخدمين وعلى القيمة التي تحملها إليهم هذه التطورات من خلال تحسين أداء المنظومات وإحداث قطائع هامة في النماذج الاقتصادية.
وعلى هذا الأساس، فإن دعم استخدام الرقميات في الإدارة العمومية من شأنه أن يحدث قطيعة مع الصورة النمطية التقليدية، من خلال استغلال ما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من إمكانيات تساهم في تحسين أداء الخدمات المقدمة للمرتفقين والمقاولات، وفي تفعيل مبادئ الحكامة الجيدة في تسيير المرافق العمومية وفقا للمقتضيات الدستورية التي تنص على خضوعها لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية وللمبادئ والقيم الديمقراطية.
ووعيا بأهمية التحول الرقمي، فقد اعتمد المغرب عددا من المبادرات بشأن تسريع الانتقال الرقمي، تجسدت في وضع استراتيجيات وبرامج ( المغرب الرقمي 2013 والمغرب الرقمي 2020 ...) وإحداث هيآت تتولى تنفيذ هذه المبادرات (وكالة التنمية الرقمية واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ...). وعلى الرغم من المجهودات المبذولة في هذا المجال، تجمع مختلف الدراسات التقييمية المنجزة من قبل مؤسسات وطنية مختصة، على عدم كفاية المبادرات المتخذة من أجل تحقيق التحول الرقمي المطلوب، وتؤكد أنه رغم التقدم المحرز، ثمة فجوة رقمية ملموسة في العديد من القطاعات ومناحي الحياة، ساهمت الأزمة الناجمة عن حائحة كوفيد 19 في توسيعها، وبشكل خاص وعلى مستوى الإدارة العمومية، ثمة رقمنة جزئية فقط، سيما حينما يتعلق الأمر بالخدمات التي يتعين تقديمها للمرتقين.
ومن منطلق بلورة رؤية خاصة بالتحول الرقمي، أولى التقرير حول النموذج التنموي الجديد مكانة خاصة للرقميات ضمن محور الأوراش التحولية، باعتبارها رافعة للتحول السريع يتعين الاهتمام بها على أعلى المستويات في هرم الدولة تحفيزا للتحولات المهيكلة وذات الأثر القوي. ولأجل التعبئة الكاملة للإمكانات التي تتيحها التكنولوجيات الرقمية فيما يخص الأوراش التنموية للبلاد، أكد التقرير على رفع تحديات رئيسية من بينها تطوير منصات رقمية بالنسبة لكل الخدمات المقدمة للمواطن والمقاولة، وكذا منصات تسمح بالمشاركة على المستوى الوطني والترابي، واستعجال تسريع رقمنة الإدارة باعتبارها العملية التي تمكن من رفع منسوب الثقة في علاقة المواطن بالدولة.
وبناء على التزاماتها بشأن تسريع وثيرة التحول الرقمي، ومواكبة لتنفيذ النموذج التنموي لجديد، أكدت الحكومة في برنامجها للفترة 2021-2026 على إجراءات تهم تقليص الفجوة الرقمية باعتبارها مكونا رئيسيا في سياسة الإدماج الاجتماعي وتعميم الوصول للخدمات العمومية ذات جودة، مع ما يتطلبه ذلك من تحديث للبنيات الرقمية والتكوين حول الاستعمالات الرقمية واعتماد الحلول الرقمية المبتكرة. كما اعتبرت الحكومة محور "تعميم رقمنة الإدارة في سبيل قرب ونجاعة أكبر للإدارة العمومية"، من بين المحاور الاستراتيجية الطموحة للتحول الرقمي التي سيم تنفيذها بتنسيق تام تحت إشراف رئاسة الحكومة.
في ضوء هذه المرجعيات، ومواكبة لدينامية الإدارات المركزية في تعميم رقمنة المساطر والخدمات، ومن منطلق اختصاصاتها في تحقيق التنمية المندمجة بموجب القوانين التنظيمية المتعلقة بها، وبناء على مستلزمات تطوير أدائها ارتقاء بجودة الخدمات وتعزيزا للشفافية وتبسيط الإجراءات الإدارية والرفع من المردودية، فإن الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها مطالبة بتسريع انخراطها في مجال الرقمنة والتطور التكنولوجي، وبالتالي الاستفادة مما تتيحه هذه التقنيات من إمكانيات الانفتاح على مختلف الشركاء والفاعلين ودعم فرص مشاركتهم في اقتراح وتتبع وتقييم المشاريع والبرامج التنموية.
فالجماعات الترابية باعتبارها مؤسسات تدبيرية فاعلة في ميادين متعددة، ومساهمة في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية، مدعوة بقوة إلى الانخراط في مجهودات الانتقال الرقمي خدمة للساكنة التي تترقب مواكبة تطلعاتها في تقديم الخدمات وتدبير الشأن الترابي، وتجسيد التصور الجديد لدورها في إطار الجهوية المتقدمة، تحقيقا للأهداف التنموية ودعما للحكامة المحلية، وللأسلوب التشاركي في تدبير الشأن العام المحلي. كما أن انفتاح الوحدات الترابية على التطور التكنولوجي وتوظيف التقنيات الحديثة سيمكنها، في إطار علاقتها بالمقاولة، من تيسير الولوج إلى المعلومات المتوفرة وتبسيط مساطر وإجراءات الحصول على الخدمات وتحقيق انسيابية أكبر في مسار التفاعل فيما بينها، وهو ما سينعكس إيجابا على تنشيط الاقتصادات المحلية في إطار محيط داخلي وخارجي تطبعه حدة المنافسة وتطور تقنيات التدبير.
وتجسيدا للأهمية التي يوليها المجلس الجماعي لسلا لموضوع الرقميات، وفي أفق تحقيق رهان الجماعة الرقمية، وبمناسبة إعداد برنامج عمل الجماعة للفترة 2022-2027، ارتأى المجلس أن يدرج ضمن المشاريع والأنشطة المزمع انجازها خلال هذه الفترة ما يهم رقمنة المساطر والخدمات التي تقدمها الجماعة، ورفع مختلف التحديات المرتبطة بدعم جهود الرقمنة باعتبارها وسيلة أساسية لتيسير تطبيق المقتضيات القانونية والتنظيمية، وتوفير الخدمات العمومية للمرتفق والمقاولة، في إطار الشفافية وداخل الآجال المعقولة، وبأقل جهد وتكلفة.
وبغرض وضع إطار مناسب في مجال الرقمنة على مستوى الجماعة، يقترح منتدى التحول الرقمي - جماعة رقمية-، طرح عدد من المحاور للتفكير والنقاش لدعم مرتكزاتها وأسسها اعتبارا لأهميتها في صلب التحول الرقمي للجماعة. وتتحدد هذه المحاور فيما يلي:
الإدارة الرقمية:
إن اعتماد مقومات الإدارة الرقمية يجسد إرادة تحديث المرفق العام والارتقاء بالعمل الإداري وفق متطلبات السرعة والمردودية والفعالية، وبالتالي تطوير مسار تقديم الخدمات العمومية للمرتفق والمقاولة على حد سواء، على أساس الوضوح والمساواة في الولوج إلى هذه الخدمات وتعزيز شفافية المعاملات.
وعلى أساس الاستفادة من الانعكاسات الإيجابية للرقمنة في مختلف المناحي والجوانب، يتوخى من هذا المحور التشاور حول سبل دعم الرقمنة على مستوى جماعة سلا، من خلال طرح الإشكالات والتحديات التي تواجه تعميم رقمنة المساطر والخدمات، واقتراح الإجراءات والمبادرات التي من شأن اعتمادها تطوير مستوى الرقمنة بالجماعة ودعم قدراتها في هذا المجال ومواكبة انخراطها في برامج وأوراش .التحول الرقمي على المستوى الوطني
المنصات الرقمية:
تمثل المنصات الرقمية محددا أساسيا للإدارة الرقمية، بحيث يتيح استخدام المنصات المخصصة لتقديم الخدمات إمكانية العمل والتعامل عن بعد، سواء في الأوقات العادية أو خلال أوقات الأزمات – كما هو الحال في زمن الجائحة الوبائية-. وقد سجل في الآونة الأخيرة تزايد الولوج إلى المنصات الرقمية بالنظر لما تتيحه من مزايا تتمثل أساسا في دعم الشافية والنزاهة والاقتصاد في الإنفاق وتسهيل الحصول على المعلومات ودعم المشاركة، بالإضافة إلى تسهيل أداء المصالح الإدارية وتحسين مردوديتها. وإدراكا لأهمية المنصات والتطبيقات الرقمية، انخرطت جماعة سلا في استخدام عدد من المنصات لتقديم الخدمات الإدارية، وتسعى إلى استعمال منصات أخرى بغرض تعميم توفير مختلف الخدمات الجماعية عن طريقها.
وأكيد أن فعالية هذه المنصات ترتبط باستمرارية استخدامها والتنسيق بين مختلف المتدخلين في المجال، وتجاوز إشكالات المواكبة وتحديات حماية المعطيات وتخزينها مع اعتماد تدبير أمثل لتشغيلها. ولأجل ذلك تتحدد أهمية هذا المحور الذي سيركز على مناقشة كيفيات تطوير المنصات الرقمية لتشمل مجموع المساطر والخدمات الجماعية، واقتراح المنصات التي يتعين الإسراع بإحداثها بالنظر لما تشكله الخدمات المقدمة عبرها من أولوية بالنسبة للمرتفق والمقاولة. كما يتوخى تقديم إجابات عن الإشكالات والتحديات المتعلقة .بإزالة الطابع المادي عن مختلف المساطر الإدارية ومواجهة المخاطر المتعلقة باستعمال المنصات الرقمية
التواصل الرقمي:
إن اختيار موضوع التواصل الرقمي محورا ضمن أشغال المنتدى، نابع أساسا من أهمية الدور الذي تتيحه تكنولوجيا التواصل الرقمي في تحقيق التفاعل بين الجماعة ومختلف الفاعلين والشركاء. ذلك أن التخطيط للتنمية المحلية من منظور تشاركي لا يستقيم إلا بتفعيل عمليات وآليات تواصلية مستمرة بين الأطراف المعنية، في إطار سياسة تواصلية تحدد بدقة قنوات الحوار والتشاور وتسهل تحقيق التوافق حول الاختيارات والأولويات التنموية.
فأهمية التواصل الرقمي تتجلى في مساهمته في تسريع تحقيق تنمية المجال الترابي، وهو ما يتجسد من خلال توفير قنوات تواصلية حديثة لتفعيل المقاربة التشاركية التي تضمن الإسهام الفعلي لمختلف القوى الحية، وفي مقدمتها الساكنة، للتخطيط لتنمية الجماعة والتأثير في مسار اتخاذ القرار من خلال الاقتراح والتتبع وتقييم الشأن العام المحلي.
كما أن التواصل الرقمي يشكل دعامة أساسية للتسويق الترابي الذي يحيل في حد ذاته إلى مختلف العمليات التواصلية والإعلامية التي يتعين القيام بها من قبل الجماعة بغرض التعريف والترويج للإمكانيات والمؤهلات التي يزخر بها مجالها الترابي بغرض استقطاب المزيد من المقاولات وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية التي تساهم في خلق الثروات ومناصب الشغل وإنعاش الاقتصاد المحلي.
وبهدف تحقيق تواصل رقمي فعال لجماعة سلا، يشكل المنتدى مناسبة لمناقشة مرتكزات سياسة تواصلية متكاملة للجماعة، تواكب .مستجدات الرقميات، وتستهدف مختلف المخاطين بالشكل الذي يعزز انفتاحها على محيطها
الإدارة المنفتحة:
يعتبر موضوع الإدارة المنفتحة من أهم الأوراش المعتمدة في إطار توجهات إصلاح الإدارة العمومية المغربية، وهو ما يتجسد عمليا من خلال انخراط المملكة في الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة التي تقوم على دفع الدول المنخرطة إلى دعم الإجراءات والمبادرات المتعلقة بتعزيز الديمقراطية التشاركية والشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد واستغلال التكنولوجيات الحديثة.
ولا شك أن تفعيل مبادئ الإدارة المنفتحة بجماعة سلا يشكل أحد المداخل التي تمكن من تعزيز شفافية التدبير وتوسيع فرص المشاركة المواطنة وتسهيل الولوج إلى المعلومات الموجودة في حوزتها. وبهدف ترسيخ مقومات انفتاح جماعة سلا، يتوخى المنتدى مناقشة مختلف الإجراءات والشروط التي تمكن من تفعيل هذه المبادئ، سيما ما يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات وتطوير آليات الحوار والتشاور واستغلال التكنولوجيا الحديثة في التواصل.
بناء على ما سبق، وبغرض تعميق الحوار والنقاش بشأن مبادرات وآفاق تعزيز الرقمنة على مستوى جماعة سلا، يشكل هذا المنتدى لكل المتدخلين والمعنيين فرصة للمساهمة في التشخيص والاقتراح وتحديد الأولويات لتسريع رقمنة الجماعة، بالشكل الذي يحقق المساواة بين المواطنين في الولوج إلى خدماتها والاستمرارية في تقديمها وتكريس قيم الشفافية والمحاسبة والمسؤولية. ومن بين الأسئلة الرئيسية المطروحة خلال المنتدى:
تسريع التحول الرقمي لجماعة سلا: السبل والإكراهات؛
تعميم رقمنة الخدمات والمساطر بجماعة سلا: أية إجراءات وتحديات؟
مساهمة انفتاح الإدارة في دعم جهود التنمية المحلية: الواقع والآفاق؟
برمجة لقاءات منتدى التحول الرقمي والجماعة الرقمية