المنتدى الاجتماعي
في إطار الأشغال التحضيرية لإعداد برنامج عمل جماعة سلا وفي نطاق استحضار جل المحددات القانونية والتنظيمية المعتمدة في هذا المجال بغية تعبئة جل مقومات إعداد وثيقة مرجعية قادرة على رسم مسار حقيقي للتنمية المحلية بمدينة سلا يحوز المحور الاجتماعي والثقافي قيمة جوهرية ضمن المحاور المحددة في هيكلة برنامج العمل.
وبالنظر للمكانة المتميزة التي باتت الجماعات الترابية تحتلها في المنظام المؤسساتي للمغرب حيث تم تمكينها من اختصاصات وصلاحيات - ذاتية أو مشتركة أو منقولة - مهمة وجوهرية، أضحى الرهان عليها كبيرا في الاضطلاع بأدوار أساسية في مجالات التنمية.
ولعل من أبرز هذه الأدوار أهمية تلك المرتبطة بالقطاعات التي يمكن أن يصنف البعض منها ولو بشكل إجرائي في خانة الملف الاجتماعي والتي منها التعليم والصحة والمرأة والشباب والطفولة والأشخاص في وضعية إعاقة والثقافة والرياضة.
غير أن هذه القطاعات تختلف طبيعة مقاربة الجماعات الترابية لها بحسب طبيعة الاختصاصات المسندة إليها في كل قطاع على حدة سواء بأن تباشر الجماعة بإنشاء وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية الواجبة لتقديم خدمات في أحد هذه القطاعات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو من خلال اعتماد مقاربة مختلفة تتيح للجماعة أن تساهم في تحقيق التنمية المحلية باعتماد أسلوب الشراكة والتدبير المشترك المبني على التعاقد بين الدولة والجماعة الترابية بغاية تحقيق التكاملية والنجاعة في انجاز وتدبير مرفق تحتم طبيعته اعتماد مقاربات تضمن الفعالية ومنها القرب.
لقد استتب اليقين الصريح بحجم الخصاص الذي يكابده الواقع الاجتماعي والذي تفصح عنه بشكل ظاهر مجموعة من المؤشرات غير الإيجابية التي استطالت في الزمان وأضحت تشكل عبئا وتسيء للصورة التي تطمح مؤسسات الدولة أن يكون عليها الواقع الاجتماعي للمغرب بصفة عامة.
إذ بالرغم من البرامج المتنوعة والمتعددة، وبالرغم من المقدرات المالية المهمة التي يتم تعيينها في هذا المجال من طرف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المختلفة أو من طرف الجماعات الترابية إلا أن تلك المؤشرات في منحاها لا زالت تعاند طموح ونزوع الإرادات المعلنة وتتمنع عن مسايرة الدينامية التي تجسدها مجموعة من القطاعات.
ومدينة سلا بالنظر لواقعها الاجتماعي لا تستثنى من هذا المشهد العام من الإشكالات والظواهر التي تطبق على الواقع المعيشي لساكنتها فمظاهر الاختلالات والعجز في هذا المجال بادية في مرافقها وأحيائها وفي معيشة أهلها الأمر الذي أسهم في تشكل صورة قاتمة عن واقع هذه المدينة التاريخية العريقة ذات المؤهلات المتنوعة والواعدة.
كما أن ذات اليقين شمل منطق التدبير والمقاربات والخيارات المتبناة في معالجة المسألة الاجتماعية، بل هناك من أعتبر أنها كمقاربة لم تثبت صدقيتها على أرض الواقع وهو ما بات يفرض الحاجة لمراجعة النموذج الإرشادي في معالجة المسألة الاجتماعية واعتماد مقاربات جديدة قادرة على استدراك العجز الاجتماعي المتراكم الذي يمكن أن يوصف بالفادح في بعض المستويات وبالتالي تغذيتها بما يسمح بتحقيق إنعاش وتحسن وبعد ذلك وثبات في مؤشراتها.
من هنا نبع الوعي بضرورة تبني هذا النهج بتوجيه وتحفيز من جلالة الملك محمد السادس الذي عبر غير ما مرة عن قلقه وعدم رضاه عن الواقع الاجتماعي لفئات واسعة من الشعب المغربي وبضرورة اتخاد المتعين في ذلك. وهو ما عبر عنه جلالته في الرسالة التي وجهها إلى أشغال المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، التي نظمت بتاريخ 20 دجنبر 2019 بأكادير إذ اعتبر بأن: "خدمة المواطنين وضمان حقوقهم المشروعة، وكما أكدنا على ذلك خلال مناسبات عديدة، يجسدان الغاية المثلى للهياكل والبنيات الإدارية، بمختلف تصانيفها وأنظمتها القانونية والتدبيرية. فالجماعات الترابية والمصالح اللاممركزة والمؤسسات العمومية، مدعوة إلى تعبئة جميع مواردها البشرية والمالية واللوجستيكية، لتوفير خدمات عمومية تستجيب لشروط النجاعة والإنصاف في تغطية التراب الوطني." وهو الاختيار الذي انخرط فيه الفاعلون المؤسساتيون بالمغرب ومن بينهم الجماعات الترابية.
هذا المسعى حفز جماعة سلا إلى تبني مقاربة جديدة تبتعد عن تفويت إعداد هذا المخطط بقدر ما تعول على تعبئة وتكثيف جهود الكفاءات المعرفية والخبرات التدبيرية لأطر الجماعة وأبناء المدينة وفق ديناميكية تشاركية وتشاورية تتيح ترصيد وتثمين هذه المعارف والخبرات لصياغة منوال فعال لإعداد برنامج عمل الجماعة يستند على تشخيص رصين مطابق للواقع بأفق تنموي طموح وواقعي لتحقيق التملك الحقيقي لمخرجات هذا الورش.
وهو ما يتطلب منا جميعا التعاون في تشخيص الواقع تشخيصا دقيقا موضوعيا مقدرا للمعطيات والبيانات والمعلومات والوثائق حق قدرها دون تبسيط أو تهويل وكذلك القيام بعملية تحليل استراتيجي لتلك البيانات والمعطيات باستحضار نقاط القوة ونقاط الضعف ومكامن المخاطر ومواطن الفرص واعتماد مخرجات هذا العمل في صياغة أرضية العمل مبنية على ضبط الأولويات وحصر الحاجيات وتعيين أجندة الإنجاز وفق تصور منسجم للإمكانيات والموارد التي يجب تعبئتها للتمويل والمكنزامات الضرورية للتقييم المرحلي المؤطر لتحيين واستدراك الخيارات والمقاربات المعتمدة.
وهو ما يلقي علينا مسؤولية الالتزام الإيجابي بالمساهمة الفاعلة في هذا المجهود لتحقيق هذا الورش مع ضرورة استدعاء مجمل الأبعاد المؤسساتية والبرنامجية المركزية والمجالية المميزة للمحور الاجتماعي على أرضية استحضار الرؤى المتمايزة والأدوار والمواقع المختلفة للخلوص لأرضية عمل مشتركة تحقق الالتقائية في التدبير والتكامل في الأدوار والفعالية في الإنجاز والتعاون في بلوغ الأهداف المسطرة.
غاية ذلك تمكين الفاعلين والمهتمين بالاستناد على الذكاء الاجتماعي من طرح وجهات نظرهم حول ملامح الواقع والعوامل الفاعلة في تشكله من جهة ومن جهة أخرى توليد اقتراحات وابداع بدائل لبناء تصور مشترك جماعي للتنمية المحلية بجماعة سلا.
وفق المشار إليه أعلاه نقترح هيكلة إجرائية لمحاور هذا المنتدى الاجتماعي كالتالي
أولا: محور التعليم
بالنظر للمركزية التي يتمتع بها موضوع التعليم في قضايا التنمية والتطور الذي تنشده جل الدول لم يعد من الممكن والقبول مقاربته بشكل عمودي باعتباره مسؤولية قطاع وزاري بل يجب مقاربته أفقيا اعتباره قضية مجتمعية مصيرية حتى يحتل التعليم موقعه ويتولى أدواره الأساسية في تأمين إدماج والاندماج فعلي الاجتماعي والاقتصادي للأفراد والمجموعات وتمكينهم من المساهمة في نهضة أمتهم ورفعتها الحضارية.
ويحتم المدخل الحقيقي لذلك تحمل كل مؤسسات الدولة والمجتمع مسؤولية المساهمة في تعبئة عناصر إنجاح المهمة التعليمية واحتضان المؤسسة التعليمية من طرف محيطها لتحصين مسار تجويد مخرجاتها الإدراكية والقيمية والمعرفية ومحاصرة الظواهر غير الايجابية الفردية والجماعية لتشكيل وعي جماعي مدرك لرهانات التنمية.
وفق هذا التصور بات للجماعات الترابية إسهام أساسي في نسج منوال للتعاون وتظافر جهود كل المتدخلين في العملية التعليمية والتربوية بشكل مباشر وغير مباشر، وهو المنظور الذي تبنته جماعة سلا من خلال السعي لوضع هذا المحور للنقاش بين الفاعلين ضمن أجندة محاور المنتدى.
فماهي أبرز الظواهر السلبية التي تسكن ذات التعليم بتراب الجماعية وما هي الإشكالات التي تفرزها؟
بناء على الاختصاصات المناطة بالجماعات ماهي الأدوار التي يمكن لها الاضطلاع بها في هذا المجال؟
ثانيا: محور الصحة
يحتل قطاع الصحة مكانة محورية في صدارة انشغالات المواطنين باعتباره من القطاعات التي لها تأثير مباشر على حياته فرغم ما عرفه قطاع الصحة في العقود الأخيرة من اهتمام ومجهود ومن حيث فتح أوراش مهمة للبنيات التحتية العلاجية وللتغطية الصحية والحماية الاجتماعية وكذا الموارد المخصصة له، بالرغم من هذا، لا يزال القطاع هشًا ويعاني من عجز مهم أمام الحاجيات المتعاظمة.
وهو الأمر الذي يفرض لتحسين وتعميم توفير الخدمات الصحية للجميع مضاعفة الجهود خاصة فيما يتعلق بالولوج، النوظمة، الموارد والحكامة والتعبئة الالتقائية بين المتدخلين ومنهم الجماعات الترابية للمساهمة في تحقيق واقع صحي أمثل يضمن حقا أساسيا من حقوق الإنسان وهو حق في الصحة ويكفل استحضار كل الأبعاد الضرورية لذلك سواء البعد الوقائي أو البعد العلاجي.
ماهي الأدوار الأساسية ومستويات التدخل الممكنة قانونا التي يجب على الجماعة القيام بها؟
ماهي المساهمات الممكنة التي يجب على الجماعة الاضطلاع بها لتوفير واقع صحي في المستوى المطلوب؟
ثالثا: محور المرأة والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة
لا يمكن للتنمية سواء وطنيا أو محليا أن تحقق معناها دون أن تكون قادرة على تصحيح اختلالات التوازنات الاقتصادية والتفاوتات الاجتماعية بشكل محسوس وملموس عبر الادماج الفاعل لكل مكونات المجتمع وفئاته بخاصة منها الأكثر إقصاء، ضعفا، هشاشة وفقرا ومنها بالأساس المرأة والأطفال في وضعية اجتماعية صعبة والأشخاص في وضعية إعاقة.
فكلما توسع حيز الهشاشة الاجتماعية وامتد لمختلف فئات المجتمع كلما تفاقمت مظاهر التخلف وتعددت ونما منسوب التوتر والاحتقان الاجتماعي وهي وضعية تعوق مسار التنمية يجب التغلب عليها وتطويق مساحاتها ليس فقط بالتعويل على الدول رغم محورية دورها لكن بتظافر جهود كل القوى الحية في المجتمع.
وواقع الحال في مدينة سلا موسوم بشكل واضح بمظاهر التفاوتات واللامساواة الاجتماعية والاقتصادية وهو ما يتطلب تعاون الجميع لضمان مشاركة كل الفئات الاجتماعية في المجهود الوطني للتنمية وكذلك الاستفادة الكاملة والحقيقية من عائداتها عبر وضع آليات والبرامج الضرورية المتسم بالقرب والمستجيبة للحاجيات الخاصة لكل فئة على حدة وتحقيق الازدهار المشترك.
ماهي أبرز تجليات الاستبعاد التي تعاني منها المرأة والأطفال في وضعية اجتماعية صعبة والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة بجماعة سلا؟
ماهي المداخل الممكنة لتحرير الطاقات الابداع الاجتماعي لتحقيق الاندماج والتمكين الاقتصادي لهذه الفئات الاجتماعية؟
ماهي الآليات التشاركية التي يمكن للجماعة التعهد بها لضمان الادماج الفعلي لهذه الفئات؟
رابعا: محور الثقافة
تتمتع مدينة سلا برصيد حضاري وثقافي عريق ومجيد يأهلها لأن تحوز إشعاعا وطنيا بل ودوليا بالنظر لرصيدها المتميز الغني والمتنوع الصنوف مما يؤهلها لأن يلعب هذا القطاع دورا داعما ومسندا للبعدين الاجتماعي والاقتصادي في تحقيق أبعادهما الحضارية والتنموية وتجسيد الافتراضاتهما على الواقع المادي والمعنوي للمجتمع.
إزاء كل هذا يجب على الجماعات الترابية بالنظر لاختصاصاتها الاصيلة أن تلعب أدوار مهمة في الجعل من الثقافة المادية وغير المادية رافعة عضوية لتسيير وتوجيه التنمية للمساهمة إعداد الإنسان وبناؤه بناء معنويا وفق انسية تحترم كينونته وتنعش إدراكه لحقيقة وجوده والواثق من مقدرته على التغيير نحو الأفضل وتلمس سبل الخروج من حالة الوهن والتخلف.
كيفية يمكن للجماعة تطوير الاستثمار في البعد الثقافي ورفع من مستوى إسهامه في روافد التنمية المحلية والاشعاع الوطني؟
خامسا: محور الرياضة
تتعدد الأسباب التي تجعل من محور الرياضة أحد مجالات الاهتمام الأساسية في أجندة التنمية المحلية التي تشرف عليها الجماعات الترابية فمن جهة القيمة التي أصبحت تحتلها الرياضة ضمن اهتمامات المواطنين ومن جهة أخرى الأدوار الكبيرة التي يدرها هذا القطاع والتي يمكنها أن تأثر إيجابيا على نواحي عديدة من نواحي حياتهم ومن جهة ثالثة وبالأساس الاختصاصات الموكلة لها في هذا المجال.
فالحضور الكبيرة الذي يعرفه هذا القطاع على مستوى مدينة سلا ومساهمته في تنشيط ديناميات تنضوي في إطارها مبادرات مدنية وجمعوية وفعاليات محلية في شتى صنوف الرياضات يفرض إيلاء القطاع الاهتمام الازم لتمكينه من الظروف المناسبة لتبرز فاعليته التربوية والصحية والاقتصادية وبالتالي التنموية.
كيف يمكن لجماعة سلا أن تلعب دورا محوريا في تطوير القطاع الرياضي بترابها؟